.. رائـحة الحب ..
من الحب ما أذل ,
ومنه ما أسقم ,
وفيه ما قتل !!
و يبقى السؤال
هل رائحة الحبيب كافية .. لتكون سببا في شفاء المُحِب ؟
لا أدري لماذا استغرقني هذا السؤال
و أنا أقرأ هذه الآية التي سنهنأ اليوم في ظلها
هي آية حالمة وردت ضمن تفاصيل قصة عجيبة
لعظيم ضرب أروع الأمثلة في سيطرته على قلبه بالاستعانة بربه
كنت قد و عدتكم أن تكون هذه استراحة
لهذا سأكتفي بآية واحدة
و إلا فلقد جربت أن أرحل مع هذه السورة كاملة فوجدت من أمرها عجبا
و الآن لنبحر سويا ..
اقرأ بقلبك
{وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ}
ـ (94) سورة يوسف ـ
حسنا ما هو الأثر الذي وجده يعقوب من يوسف ـ عليهما السلام ـ ؟
{ رِيحَ يُوسُفَ }
لم يكن رؤيةً و لا سماعاً كما اعتدنا أن نقرأ في كتب العشاق و رواياتهم
فقط كانت رائحة الحبيب المفقود
{ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ}
رائحة الحبيب الذي أذهب بكائه البصر , و أحرق فقدانه القلب
{ وَ ابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ}
حُرم من ابنه فأشتد حبه له و شوقه للقائه .. و الحرمان يُشعل الحب
{… عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ….}
يا أهل الشوق لنا شَرَقٌ بالدمع يفيض مُوَرِّدُهُ
يهوى المشتاق لقاؤكمُ و صروف الدهر تُبَعِدُهُ
و من لم تدمع عيناه لهذه القصة الموجعة
فليتحسس قلبه .. فإني لأظنه قد (مات)
نعم رائحة فقط هي التي فعلت كل ذلك ..
هل كان يوسف يدرك هذا الأثر ؟!
أقرءوا ماذا قال :
{اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا ..}
إذن هو كان يدرك ذلك ..
حسنا ..
هل السر في رائحة القميص ذاته أم أنه في أن الرائحة للابن الحبيب يوسف ـ عليه السلام ـ ؟؟
للمفسرين في ذلك قولين :
(منهم من قال : أن الرائحة كانت رائحة الجنة و ليست رائحة يوسف , لأن القميص من الجنة )
ثم سردوا قصة طويلة لإثبات ذلك
ـ و لكنها قصة لا مستند لها و لا دليل عليها ـ
أما القول الآخر : فهو أن الرائحة رائحة يوسف ـ عليه السلام ـ ..
و أقرءوا بقلوبكم هذا التعليل العذب
للعلامة عبد الرحمن السعدي في تفسيره حيث يقول:
( لأن كل داء يداوى بضده ، فهذا القميص ـ لما كان فيه أثر ريح يوسف ، الذي أودع قلب أبيه من الحزن ، والشوق ، ما الله به عليم ـ
أراد أن يشمه ، فترجع إليه روحه ، وتتراجع إليه نفسه ، ويرجع إليه بصره ، ولله في ذلك حكم وأسرار ، لا يطلع عليها العباد ، وقد اطلع يوسف من ذلك على هذا الأمر )
ما رأيكم أن نعيد قراءة هذه العبارة مرة أخرى :
أراد أن يشمه ، فترجع إليه روحه ، و تتراجع إليه نفسه ، و يرجع إليه بصره .
كيف استطاع يعقوب أن يشم رائحة يوسف برغم المسافة ؟
يقول الشيخ محمد الشعراوي :
(شم رائحة يوسف التي كانت في القميص ,رغم المسافة الكبيرة التي بين القافلة و بين المدينة التي بها يعقوب ,
وهذا من دلائل النبوة التي أعطاها الله سبحانه و تعالى ليعقوب)
ما علاقة انفصال العِير برائحة يوسف؟
{وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ …}
* يقول القرطبي : ( “ولما فصلت العير” أي خرجت منطلقة من مصر إلى الشام)
* وقال البغوي : (من مسيرة ثلاثة أيام , وحكي عن ابن عباس: من مسيرة ثمان ليال ,
وقال الحسن: كان بينهما ثمانون فرسخا)
*قال الشيخ محمد الشعراوي في كتابه ( قصص الأنبياء و المرسلين ) :
( لأن القافلة الكبيرة لما غادرت المدينة التي كان يقيم فيها يوسف ,كانت تضم عددا كبيرا من الناس ,
فكانت رائحة يوسف مختلطة بروائح كثيرة , كما أن مباني المدينة كانت تحجزها ,
فلما خرجت القافلة من المدينة , و انقسمت إلى مجموعات صغيرة (..)
أوصل الله رائحة يوسف إلى يعقوب ـ عليهما السلام )
قدرة الله على إيصال رائحة يوسف برغم انعدام الأسباب
المؤدية للقرب , وبرغم انعدام المسافة الممهدة له
يقول القرطبي : ( وقال مالك بن أنس رضي الله عنه: إنما أوصل ريحه من أوصل عرش. بلقيس قبل أن يرتد إلى سليمان عليه السلام طرفه )
و قال الطبري : (ذكر أن الريح استأذنت ربها فـي أن تأتـي يعقوب بريح يوسف قبل أن يأتـيه البشير, فأذن لها, فأتته بها.)
ثلاثة , ثمانية , بل و ثمانون أيضا
لم تمنعه أن يشتم رائحة فلذة كبده و قطعة قلبه
حتى هتف
{ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ }
هل أطلت
إستشعروا يا أحباب
معجزات خارقة .. و تطوع الريح بعظمتها و استئذانها
فقط لإيصال رائحة الحبيب إلى ذلك القلب المُتعب
بل و الأكثر .. اتهام في العقل و تسفيه..
فلا يسلم مُحب من أن يتهم في عقله
و قد يكون هذا ما تنبه له النبي يعقوب عليه السلام
{ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ}
قال السعدي : ( أي : تسخرون مني ، وتزعمون أن هذا الكلام صدر مني ، من غير شعور ،
لأنه رأى منهم من التعجب من حاله ، ما أوجب له هذا القول ، فوقع ما ظنه بهم)
{قَالُواْ تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ }
و منها قولهم قبلاً ..
{قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ}
و الآن لنتلمس الإجابة على السؤال الذي طُرح ابتداء..
هل رائحة الحبيب كافية .. لتكون سببا في شفاء المُحِب ؟!
برغم إيماننا أن ما حدث من أمر يوسف و يعقوب عليهما السلام
هو معجزة ربانية , وعناية إلهية
إلا أن العلماء يوردون بعض الشواهد من الدراسات العلمية التي تثبت أن لكل إنسان رائحه تميزه عن الآخر
يورد الشيخ محمد الشعراوي إحداها فيقول :
( ثبت الآن علميا أن لكل إنسان رائحة مميزه لا يشترك فيه مع إنسان آخر,و نحن لا نستطيع أن نميز هذه الرائحة ,
ولكن الكلاب البوليسية تستطيع بحاسة الشم القوية التي لديها , أن تتعرف على الإنسان من رائحته ,(….)
إلى أن يقول : ( الله سبحانه و تعالى في هذه الآية الكريمة يلفتنا إلى هذه الحقيقة العلمية )
حسنا بقي أن أختم بمقولتين ليكونا:
كتبت حصه البواردي في كتابها (كي تشعر بالحياة) .. عنوانا نكتفي به عن ما حواه حيث قالت :
( الأنف .. الإحساس )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ماوافق الحق من قولي فخذوه و ما جانبه فأجتنبوه
كتبته : هند عامر